تعيش المجتمعات الإنسانية على وجه الأرض تحديات متزايدة تتعلق بحقوق الإنسان، وتظل قضية الإخلاء القسري واحدة من أخطر التحديات التي تهدد أمان واستقرار الأفراد. تعتبر عمليات الإخلاء القسري أداة باطشة في يد الحكومات، وتجاوزًا للحقوق الأساسية للفرد، ما يتنافى مع العديد من العهود والمواثيق الدولية التي تضمن حقوق الإنسان. تتمثل خطورة هذه العمليات في انعدام الأمان الشخصي للفرد وأسرته بعد تهديد أمانهم السكني، وقد يؤدي عدم توفير بدائل سكنية مناسبة إلى زيادة عدد السكان في المناطق العشوائية، مما يؤدي إلى فقر مستدام وتدهور ظروف الحياة. كما يؤدي بالطبع عدم توفير حلاً مناسبًا إلى زيادة الجريمة والصراع بين المجتمع وقوات الأمن المكلفة بتنفيذ عمليات الإخلاء.
تنعكس عمليات الإخلاء القسري على تدهور الظروف الاقتصادية للأفراد المتضررين، مما يؤثر على مؤشرات التنمية الاقتصادي،. وتتعدي الى تأثيرات على القطاعات الأخرى مثل التعليم والصحة بسبب تشتت الأسر وانتقالهم من مكان الى اخر بشكل مفاجئ دون الترتيب المسبق وهو الأمر الذي ظهر سابقا مع سكان منطقة الأسمرات وتأخر أبنائهم لمدة عام في الالتحاق بالمدارس. في ظل تزايد أعداد السكان وتغيرات البيئة الاقتصادية، يجب على الدول الالتزام بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان والتركيز على حلول فعّالة للتصدي لظاهرة إخلاء المساكن بالإكراه. تحقيق التنمية المستدامة يتطلب الالتزام بالمعاهدات الدولية وتحسين السياسات السكنية لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي للمجتمعات المتضررة.
ضاحية الجميل، انتهاك جديد لحق المواطنين في مسكن لائق
يتعرض سكان ضاحية الجميل غرب محافظة بورسعيد للطرد بالقوة من مساكنهم، والتعامل الحاد والمفرط من وزارة الداخلية لجمح أية محاولات للسكان بالتمسك بمنازلهم، وبدأت الحكومة المصرية عمليات الاخلاء القسري هذا الأسبوع متجاهلة تماما الحلول التي قدمها الأهالي لتطوير منطقهم، وعلى الرغم من اصدار رئيس الجمهورية توجيهات لوزارة الإسكان ممثلة عن الهيئة العامة للتخطيط العمراني بالتشاور مع الأهالي وعرض عليهم الحلول البديلة، الا أن يظل هذه التوجيه هو أحد التوجيهات الإعلامية والسياسية للرئيس التي يتم تنفيذ عكسها في اليوم التالي، متلاعبين بحقوق الشعب المصري في حياة آمنة.
يقطن سكان ضاحية الجميل على بعد 5 كم من محافظة بورسعيد، وهي منطقة سياحية تتميز بموقع جغرافي على البحر الأبيض المتوسط، ويحتفظ أهالي المنطقة بعقود حق انتفاع طويلة الأمد تجدد سنويا، ويحق لأحد الطرفين “المحافة – الأهالي” فسخ التعاقد، وهو ما يحدث حاليا أن المحافظة ترفض تجديد العقد، وأرسلت إنذارات للأهالي بإخلاء المساكن دون التشاور معهم، وقدم أحد نواب محافظة بورسعيد طلبا بوقف قرار المحافظة بالإخلاء دون التشاور مع الأهالي وعرض مقترح السكان بشراء المنطقة، الا أن رد هيئة التخطيط العمراني “الذي كلفها الرئيس بعرض البدائل” كان سلبيا ومنحاذا لقرار المحافظة، مما يدل على التخبط في القرارات الحكومية والتلاعب بمصلحة المواطنين وإهمال دورهم في الحياة.
في عام 2019 قرر مجلس الوزراء المصري بتعديل حدود محمية أشتوم الجميل، وجزيرة تنيس، بمحافظة بورسعيد، باستنزال مساحة 61.18 فدان من مساحتها الإجمالية، والموافقة على مشروع قرار رئيس الجمهورية بإعادة تخصيص مساحة 3075.38 فدان، من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، بناحية محافظة بورسعيد، منها مساحة 462 فدانا نقلاً من الأراضي المخصصة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، وذلك لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ لاستخدامها في إقامة مجتمع عمراني جديد (غرب بورسعيد)[1]. في عام 2022 تقدم سكان ضاحية الجميل بطلب الى رئاسة الجمهورية يشرحون فيه وضعهم[2] حيث أن الأهالي منتفعين بأراضي الضاحية منذ عام 1978 بعد قرار محافظة بورسعيد والمجلس الشعبي المحلي بتخصيص 317 قطعة أرض بمساحة 120 م2 غرب مدينة بورسعيد بطريق محافظة دمياط، بسند قانوني عقود حق انتفاع تجدد سنويا، وسدد المنتفعين قيمة 6 آلاف جنية كرسم إدارية، كما تحمل المنتفعين إمداد الموقع بالمرافق الأساسية، وقام الحي بإصدار التراخيص اللازمة للبناء وتم الإشراف على البناء من قبل المهندس المختص، الأمر الذي ينفي دخول المنطقة في المناطق غير المخططة أو المناطق العشوائية.
التزم سكان الضاحية بدفع مقابل حق الإنتفاع على مدار السنوات الماضية وكذلك الضرائب العقارية، وفقا لأهالي الضاحية فإنهم قدموا نموذج للمشاركة المجتمعية لتنمية مجتمعهم وقاموا بإشهار جمعية أهلية تحت اسم “جمعية ضاحية الجميل لحماية البيئة وتنمية المجتمع المحلي” لتكون مسئولة عن تنمية ونظافة الضاحية والحماية البيئية، بعد إهمال المحافظة للضاحية.
قدم الأهالي عددا من الطلبات لتمكينهم من شراء الأرض من المحافظة، إلا أن طلباتهم قوبلت بالرفض بحجة عدم وجود مجلس محلي لعرض الأمر عليه، في الوقت نفسه الذي علم فيه الأهالي أن محافظة بورسعيد قامت ببيع عدد من الأراضي داخل الضاحية بأسعار ترواحت بين 10 الى 1285 جنيه للمتر المربع، وفي عام 2020 قررت المحافظة عدم استلام قيمة حق الإنتفاع من الأهالي وأبلغتهم برفضها تجديد العقد وبموجب التعاقد يكون قرار المحافظة موجب لفسخ التعاقد، إلا أن الأهالي قاموا بايداع المبالغ المستحقة في محكمة بورسعيد.
في فبراير 2022 بدأت محافظة بورسعيد بإرسال إنذارات للسكان بإخلاء المنطقة، وجاء نص الإنذار “سبق انذاركم بعدم تجديد ترخيص الأشغال السنوي للأرض الفضاء بضاحية الجميل السكنية، والسابق ابرامه معكم على الأرض القائم عليها العقار محل الإنذار، وفقا لأحكام هذا العقد ونفاذا لأحكام القانون رقم 119 لسنة 2008 بشأن البناء الموحد ونفاذا لقرار المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية برئاسة السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء رقم 23 في 28/12/2020 بالموافقة على إعلان منطقة الجميل كمنطقة إعادة تخطيط، ونفاذا لأحكام القانون المشار اليه فإن المحافظة تنبه على سيادتكم بإخلاء المبني القائم على الأرض محل هذا الإنذار خلال أسبوع نفاذا للقانون”.
بدأت المحافظة الاستعانة بقوات وزارة الداخلية لهدم المنال رغما عن سكان الضاحية، االأمر الذي رفضه الأهالي وتجمعوا دفاعا عن منازلهم، ووفقا لمصادر المفوضية المصرية للحقوق والحريات داخل الضاحية فإن قوات الأمن تستعين ببعض الأفراد الخارجين عن القانون “البلطجية” للاصطدام والاشتباك مع الأهالي، كما وثقت المفوضية تهديد رئيس الحي الى أحد السكان بإخلاء المنزل وأنه أرسل له مبلغ مالي مع الأشخاص الواقفين أمام منزله “البلطجية” وعليه أخذ هذا المبلغ والا لن يستفيد من أي شيء وسيتم هدم المبني رغما عنه. تأتي مواصلة الحكومة المصرية الحالية عمليات الاخلاء القسري، التي تنتهجها دون اعتبار لكيان الانسان وأسرته، تهديدًا خطيرًا للمواطنين ويعتبر استمرارًا لسياسات الاهماش والإهمال التي يعيشها المجتمع. يظهر هذا السلوك الحكومي استخفافًا بحقوق المواطنين في الحصول على المسكن الآمن والملائم، ويتسبب في اهدار حقوقهم الأساسية.
ضاحية الجميل ليست الأولي ولن تكون الأخيرة
في 16 يوليو 2017 اقتحمت[3] السلطات المصرية جزيرة الوراق بشمال الجيزة لطرد السكان وإخلاء منازلهم بالقوة، وفرضت قوات الأمن الحصار على سكان الجزيرة. اعترض أهالي الجزيرة على محاولة الإخلاء حيث لم يكن هناك سابق إنذار يذكر أو تشاور مسبق مع السكان حول تنفيذ المشروع أو نقاش حول التعويضات للمتضررين أو عن وجود السكن بديل من عدمه أو أي فرصة لهم للطعن على قرارات الإزالة بالطرق القانونية، مما يعرضهم لخطر التشريد حال تنفيذ عملية الإخلاء. حيث تجمهر أهالي الجزيرة رافضين ترك منازلهم واخلائهم منها، مطالبين الحكومة بمعاملتهم ضمن قوانين “واضعي اليد” وتقنين أوضاعهم، فيما قوبل ذلك باستخدام القوة من القوات المكلفة بتنفيذ الازالات حسب رواية بعض الأهالي، بما في ذلك استخدام الأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع لتفريق الأهالي المتجمهرين أمام منازلهم. وبحسب تقارير صحفية وقعت العديد من الإصابات بين الأهالي، فيما أغلقت قوات الأمن جميع مداخل الجزيرة و فرضت حصارا عليها بحيث لا يمكن لأحد الدخول او الخروج منها ثم انسحبت من الجزيرة. تواصلت أعمال اقتحام جزيرة الوراق وتهديد الأهالي حتي وقتنا الحالي، ووثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات القبض العشوائي على أهالي الجزيرة من كمائن الشرطة خارج المنطقة لإجبار أهاليهم بالتنازل عن أراضيهم ووضع المقبوض عليهم على قضايا إرهاب حصر أمن دولة.
الأمر نفسه الذي تكرر مع سكان نزلة السمان[4] في يناير 2019، ونزلة السمان هي أحد مناطق محافظة الجيزة، وتعتبر المنطقة المجاورة مباشرة لأهرامات الجيزة، حيث كان يجد سكانها قوت يومهم في مجال الخدمات السياحية، وهي بمثابة المصدر الرئيسي لدخلهم. يعود تاريخ تطوير منطقة نزلة السمان إلى فترة نهاية حكم الرئيس مبارك، حيث تم بناء سور بطول 18 كيلومترًا في عام 2002 لعزل المنطقة عن هضبة الأهرامات، وفي عام 2009، ومع تقديم مخطط القاهرة 2050، تم عرض خطة تنمية نزلة السمان، التي تهدف إلى إزالة البنية التحتية غير الرسمية المحيطة بمنطقة الأهرامات. تشمل خطة التطوير تحويل نزلة السمان إلى وجهة سياحية كبيرة نظرًا لموقعها الاستراتيجي بين الأهرامات والمتحف المصري الكبير. في هذا السياق، خططت الحكومة لنقل 53,392 مواطنًا من سكان نزلة السمان إلى مناطق أخرى على مدى 6 سنوات، بتكلفة تقدر بنحو 1.5 مليار جنيه. لكن اللافت هو عدم مشاركة السكان في صياغة هذه القرارات، على الرغم من أنهم الشريك الرئيسي في عملية التطوير، تمت مناقشة نتائج الخطة التنموية في اجتماع مجموعة البيئة والتنمية في يونيو 2014، وشارك في الجلسة ممثلون عن الهيئة العامة للتخطيط العمراني والحكومة. لكن تم استبعاد مشاركة الأهالي، باستثناء كبار العائلات ذوي التأثير، الذين قاطعوا الاجتماع عندما علموا بخطط إزالة المباني في نزلة السمان.
17 يناير 2019 بدأت قوات تابعة لمديرية أمن الجيزة بالتدخل لهدم عقارات قائمة بمنطقة نزلة السمان وطرد سكانها منها، الأمر الذي أدي لتجمع الأهالي بالأمس الأحد الموافق 21 يناير 2019 في تظاهرات ووقفات أمام منازلهم رافضين عمليات الإخلاء القسرية التي تقوم بها السلطات المصرية بحقهم. وقد حظر الدستور المصري الإخلاء القسري في الفتنص ها السلطات المصرية بحقهم،مادة :63 “يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم. كما يعد أيضا ما حدث انتهاكا للحق في توفير حياة آمنة بحسب نص الدستور المصري في مادته :59 ” الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها وفي مستوي معيشي كاف للفرد ولأسرته”. كما يعد أيضا انتهاكا لحق الإنسان في الحياة وحقه في توفير حياة آمنة والحق في المسكن الملائم بحسب المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والملزمة للحكومة المصرية, وخاصة العهد الدولي الخص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما قامت أيضا قوات الأمن باعتقال 12 مواطنا من المتجمعين وهم ” حسن الزمر فايد، محمد حسن الزمر، عمرو جمال الدين صلاح، حسن جمال فايد، أمير فؤاد فايد، فؤاد أمير فايد، محمد صوابي الجابري، طارق الميموني، محمد عادل فايد، اشرف ياسين الجابري، هاني ياسين الجابري، إسلام عبد الكريم الجابري”.
المشاركة المجتمعية
إن تعزيز المشاركة المجتمعية التي هي أحد الركائز الأساسية في عمليات تنمية المجتمعات العمرانية، تسهم في تحسين الجودة الحياتية وتعزز استدامة التطوير العمراني. يعد تشجيع المشاركة الفعّالة للمجتمعات المحلية في صنع القرار أمرًا أساسيًا لضمان تنمية مستدامة وعادلة. في هذا السياق، يجب أن تكون الحكومات على استعداد للتفاعل مع أفراد المجتمع والاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم، بدلاً من انفراد صناع القرار في الحكومة باتخاذ الإجراءات دون مشاركة فعّالة للمجتمع. إن مشاركة الأفراد في صنع القرارات المصيرية التي تخص حياتهم يساهم في تعزيز الشفافية والشمول، وتقليل فجوة الاتصال بين الحكومة والمواطنين، كذلك فإن الاحتياجات الحقيقية لمجتمع ما لن يتم تحديدها بواسطة المسئولين الحكوميين وحدهم دون الرجوع الى أصحاب المصلحة، اذا كانت عمليات التنمية بالفعل موجهة نحو المواطن المصري وليست لمستثمر ما على حساب أصحاب الأرض. إن تعزيز الانتماء والشعور بالمواطنة لن يتأتي الا بمشاركة الأفراد صنع القرار في تقرير مصائرهم وأسرهم.
يتضح من الحالات السابق عرضها والمتمثلة في عمليات الاخلاء القسري، أن الحكومة المصرية تهمل تماما حق المواطن في تقرير مصيره، ولا يوجد أدني ضمانات فعلية لعمليات المشاركة المجتمعية، بل يتفاجئ المواطن باتخاذ الحكومة لقرار ينتج عنه تشريده وأسرته دون الرجوع اليه والتشاور معه على البدائل والحلول المقترحة، هذا الأمر الذي لن يحصد الا خراب المجتمعات وتفتت الحياة الاجتماعية وتراجع الشعور بالانتماء الى الوطن لدي أفراد المجتمع.
معاهدات دولية وقوانين داخلية غير معمول بها
تشكل الحكومة المصرية بإصرارها على مواصلة عمليات الاخلاء القسري انتهاكا واضحا لمعاهدات مصر الدولية كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[5]، حيث تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الإرتضاء الحر.
وكذلك والتعليق العام رقم 7 للجنة الامم المتحدة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[6] على المادة 11-1 من العهد (الخاصة بالحق في مستوى معيشي كاف بما في ذلك الحق في السكن الملائم) والتي تحظر عمليات الإخلاء القسري، والتي وضحت أن عمليات الإخلاء القسري تتعارض مع مقتضيات العهد المشار إليه، وتمثل انتهاك حقوق الإنسان الأخرى مثل الحق في الحياة والحق في الأمان الشخصي، الحق في الخصوصية والأسرة والبيت، الحق في التمتع السلمي بالممتلكات، وأن قبل القيام بأية عمليات إخلاء يجب على الدول الأطراف أن تضمن أنه قد تم بحث جميع البدائل المتاحة بالتشاور مع المتضررين، بغية تجنب، أو على الأقل الحد من الحاجة إلى استخدام القوة، وينبغي توفير سبل الانتصاف أو الإجراءات القانونية للمتضررين من أوامر الإخلاء، كما يتعين على الدول الأطراف أيضا ضمان أن جميع الأشخاص المعنيين لهم الحق في التعويض الكافي عن أية ممتلكات قد تضررت، وفرصة التشاور الحقيقي مع المتضررين ومنحهم مهلة كافية وإتاحة كافة المعلومات عن المنطقة وكذلك تحديد وإعلان الأشخاص المسئولين عن القيام بالعملي، وينبغي ألا تسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعرضهم لانتهاك حقوق الإنسان الأخرى. وفى الحالات التي يكون فيها المتضررون غير قادرين على إعالة أنفسهم، يجب على الدولة الطرف أن تتخذ جميع التدابير المناسبة، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، لضمان إتاحة السكن البديل اللائق، و/أو إعادة التوطين أو الوصول إلى الأراضي المنتجة، حسب ما تكون الحالة.
داخليا، اعتبرت المادة 63 من الدستور المصري الإخلاء القسري جريمة لا تسقط بالتقادم، حيث نصت على ” يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم”. كذلك يبين قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 وكذلك قانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1990 دميع الخطوات والتدابير التي يجب الاخذ بها أثناء التخطيط لعمليات التنمية وكيفية التشاور والتفاوض مع الأهالي القاطنين بمناطق إعادة التخطيط أو المناطق غير المخططة، إلا ان كل هذه المعاهدات والدساتير والقوانين تظل معطلة وغير معمول بها في ظل ممارسة الحكومة لفرض سيطرتها بالقوة دون اعتبار للمواطن.
خاتمة
تعتبر قضية الإخلاء القسري في مصر موضوعًا موضعا مألوفا وتيتسم بالتفاقم وتعدد أنماطها، وترتبط في بعض جوانبها بالمتغيرات الثقافية السائدة والتوجهات الاقتصادية الجديدة للدولة، يتداخل ذلك دائما مع المفاهيم الرسمية للتنمية والتخطيط، وتمثل عمليات الإخلاء القسري خطرًا كبيرًا على الأمن العام، حيث يجعل من المنزل مكانًا غير آمن للفرد وأسرته، يمكن أن يؤدي عدم توفر بدائل مناسبة من قبل الجهات المسئولة إلى زيادة عدد سكان المناطق العشوائية، مما يؤدي إلى تصاعد الجريمة والصراع بين الشارع وقوات الأمن المشاركة في عمليات الإخلاء. يشكل الاخلاء القسري انتهاكا صريحا لحقوق الفرد، بما في ذلك حقه في الحياة وحقه في السكن الملائم. يشكل هذا الانتهاك لمنظومة حقوق الإنسان الشاملة، حيث لا يقتصر على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بل يمتد أيضًا ليشمل الحقوق السياسية والمدنية، وتبرز خلال عمليات الإخلاء ممارسات عنيفة ومهينة من قبل المؤسسات والأجهزة الأمنية والتنفيذية المكلفة بتنفيذ قرارات الإخلاء، مما يجعلها ظاهرة متزايدة تشكل تحديًا كبيرًا لضمان حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية. ختاما؛ إن المفوضية المصرية للحقوق والحريات تعرب عن بالغ استيائها من الانتهاكات المستمرة من قبل الحكومة المصرية في قضايا التنمية وتهميش حق المواطن في مسكن آمن وملائم، وضمان حقه في عدم الطرد من منزله واخلاء المساكن بالإكراه، كما تعرب المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن قلقها بشأن انتهاك الحكومة المصرية للمعاهدات الدولية والقوانين واللوائح الداخلية، وتؤكد أن عمليات التنمية لا بد أن تضع مصلحة المواطن أولا، ولا يجوز اتخاذ القرار بعيدا عن مشاركة المجتمع وأصحاب المصالح.
[1] الهيئة العامة للاستعلامات، اجتمــاع مجلـس الــوزراء رقــم (60) برئـاسة الدكتور مصطفى مدبولي، 10 أكتوبر 2019.
[2] الوفد، إنذار بالطرد والإزالات تهدد قاطني وحدات ضاحية الجميل ببورسعيد، 22 مارس 2022.
[3] المفوضية المصرية للحقوق والحريات، محاولة بائسة لإخلاء أهالي جزيرة الوراق من منازلهم بالإكراه تكشف خطورة التعامل الأمني مع قضايا “المناطق العشوائية و التنمية”، بيان صحفي، 16 يوليو 2017.
[4] المفوضية المصرية للحقوق والحريات، الاخلاء القسري لأهالي “نزلة السمان” .. استمرار لنهج الحكومة المصرية في انتهاك القانون والمعاهدات الدولية، بيان صحفي، 22 يناير 2019.
[5] العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966
[6] التعليق العام رقم 1997- 7، الحق في السكن الملائم: حالات إخلاء المساكن بالإكراه، المادة 1-11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.